قاعدة دياجو جارسيا
هذه الجزيرة هي نقطة الاستناد الرئيسية للتواجد الأمريكي العسكري في حوض المحيط الهندي، وكانت هذه الجزيرة نقطة انطلاق قاذفات (B- 52) الأمريكية لتدمير الجيش العراقي؛ حيث كانت من أشد الأسلحة فتكًا في عمليات عاصفة الصحراء، فقد قامت بقصف التجمعات العسكرية العراقية في الكويت ومواقع تمركز الحرس الجمهوري في جنوب العراق، وكانت تصحبها عادةً في كل رحلة طائرات مقاتلة لحمايتها من طراز (F- 16) الأمريكية.
وكانت غارات طائرة (B- 52) ذات تأثير مدمر لمعنويات أفراد الجيش العراقي، كما تمَّ استخدام هذه الطائرات أيضًا في تدمير أفغانستان؛ حيث دُمرت قرى بأكملها وقتلت الآلاف!
وتعد دياجو- جارسيا أكبر جزيرة بين الجزر الـ52 الموجودة في أرخبيل تشاجوس- توضع على خط العرض الجنوبي 781 وخط الطول الشرقي 7227 على مقربة من الطرق الملاحية التي تربط المناطق الغربية للمحيط الهندي مع المحيط الهادي، ومساحة الجزيرة التي يشبه شكلها نعل الفرس 30 كم2.
في أواسط الستينيات باشرت بريطانيا وأمريكا بتنفيذ برنامج إنشاء القواعد العسكرية المشتركة على جزر المحيط الهندي، وعندما خططت بريطانيا في عام 1965م للاستيعاب العسكري لجزيرة دياجو- جارسيا والجزر الأخرى المتواضعة بالقرب منها أعلنت نيتها لفصل أرخبيل تشاجوس القليل السكان والذي يعتبر جزءًا من المستعمرة البريطانية مافريكي وتحويله إلى مستعمرة باسم الأراضي البريطانية في المحيط الهندي، وبالتالي سلخته عن مافريكي التي أصبحت مستقلة في عام 1968م.
وقع تنفيذ هذه الخطة في تعارض شديد مع قرار هيئة الأمم المتحدة القاضية بإلغاء الاستعمار، فقرار الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة المتخذ في 14/12/1960م (رقم 1514) حظر اللجوء إلى تقسيم المستعمرات إلى أجزاء؛ والتعدي على الوحدة الإقليمية للبلدان التي لم تحصل على الاستقلال.
وفي القرار الآخر المتخذ في 4/1/1966م تمَّ لفت الانتباه إلى أن "أي خطوة تصدر على الدولة الحاكمة هادفة إلى فصل أية جزيرة عن أراضي مافريكي بهدف إنشاء قواعد عسكرية عليها ستعتبر خرقًا للقرار رقم 1514".
وتضمن القرار أيضًا نداءً إلى بريطانيا يقضي بـ" عدم القيام بأي من الأفعال التي يمكن أن تشتت أو تقسم أراضي مافريكي، ويمكن أن تحطم وحدتها الإقليمية".
وفي نوفمبر عام 1965م قامت بريطانيا وأمريكا وحكام مافريكي المزيفين، خلافًا لإرادة السكان المحليين ودون الاكتراث بقرارات هيئة الأمم المتحدة، بإجراء المفاوضات حول تنفيذ القواعد العسكرية على جزيرة دياجو- جارسيا.
وأعلن ممثلو البنتاجون في ديسمبر 1970م أنَّ ذلك سيكون "منشأة بسيطة للاتصالات"، هدفها إزالة الخلل من نظام الاتصالات الأمريكية الدولي ومساعدة السفن والطائرات الأمريكية والإنجليزية في المحيط الهندي لتأمين الاتصالات الجيدة"، وقد بدأت أعمال البناء العسكرية على الجزيرة في مارس عام 1970م، وأثناء ذلك تمَّ طرد سكان أرخبيل تشاجوس من بيوتهم وترحيلهم بالقوة (أكثر من ألف إنسان) إلى جزيرة مافريكي، وتم تمويل عملية "الترحيل" سرًا من الصندوق السري للبنتاجون (دفعت أمريكا إلى بريطانيا 14 مليون دولار) مقابل ذلك.
وفي أكتوبر 1972م عقدت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا المعاهدة الثانية للبناء العسكري على جزيرة دياجو- جارسيا، ثم تلتها الاتفاقية الثالثة (فبراير 1976م) التي سمحت بالتوسيع الكبير للمنشآت العسكرية على الجزيرة، والتزمت أمريكا طبقًا لهذه الاتفاقية بدفع جميع النفقات المتعلقة بإنشاء قاعدة عسكرية على جزيرة دياجو جارسيا، وبلغت المخصصات الأولى التي أقرها الكونجرس الأمريكي في عام 1970م للبناء العسكري على الجزيرة 4.5 مليون دولار.
إن الأعمال العسكرية التي أُنجزت على جزيرة دياجو جارسيا حتى بداية عام 1977م كلفت الولايات المتحدة الأمريكية 175 مليون دولار، وفي عام 1977م خصص لبناء المنشآت العسكرية في هذه القاعدة 154 مليون دولار، وفي عام 1981م تمَّ تخصيص حوالي 132 مليون دولار لتطوير القاعدة في جزيرة دياجو جارسيا، وفي عام 1982- 240.5 مليون دولار، وقد خطط البنتاجون لصرف 1 مليار دولار لتنفيذ برنامج الاستيعاب العسكري للجزيرة كاملاً، والولايات المتحدة لا تبخل بالأموال عندما يجري الحديث حول الضمان العسكري لسياستها الخارجية، وأعارت واشنطن جزيرة دياجو- جارسيا أهمية كبيرة جدًا، فبفضل موقعها الجغرافي تبدو وكأنها "تشرف على المحيط الهندي كله: تستطيع سفن الولايات المتحدة الأمريكية الوصول إلى أي بلد ساحلي خلال يومين أو ثلاثة.
وتحولت الجزيرة من "منشأة عسكرية متواضعة أو بسيطة" إلى قاعدة أمريكية ضخمة متعددة الأهداف؛ حيث تقوم هذه القاعدة بخدمة القوات البحرية الأمريكية في المحيط الهندي، وتعتبر نقطة استناد للقوات الأمريكية الإستراتيجية وتقوم بالتأمين الخلفي لقوات الانتشار السريع، وتؤدي دور أكبر مركز للاتصالات والاستطلاع في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية، والقاعدة العسكرية الأمريكية في جزيرة دياجو- جارسيا هي خطر على جميع دول آسيا المستقلة فقد تحولت جزيرة دياجو- جارسيا إلى ترسانة نووية أمريكية في المحيط الهندي.
وتحفظ في المستودعات المجهزة خصيصًا الأسلحة النووية المختلفة الأشكال بما في ذلك أسلحة للغواصات الذرية والطائرات الإستراتيجية الأمريكية القاذفة للقنابل.
يدخل في خطط البنتاجون، وفقًا لأخبار الصحافة الأمريكية الكثيرة، نشر السلاح النيتروني والكيميائي والصواريخ المجنحة على الجزيرة، وطبقًا لتصريح وزير خارجية موريكيا أ.ك. هاين (أكتوبر 1984م) فإنَّ تحويل جزيرة دياجو- جارسيا إلى "قاعدة أمريكية صاروخية "سيتم في عام 1989م.
أنشئ على الجزيرة 45 منشأة عسكرية ذات توظيف متنوع، بني هناك مطار مجهز لاستقبال واستخدام جميع أنواع الطائرات الأمريكية باشتمال طائرات النقل الجبارة س - 5 أ وس- 141 وطائرات التزويد بالوقود ك س- 135 والطائرات الإستراتيجية القاذفة للقنابل ف – 52.
وترابط على الجزيرة باستمرار أسراب طائرات الحراسة المضادة للزوارق د - 3 "أوريون"، وأنشئت أيضًا منشآت خاصة للمرافئ، وإن المراسي والاتساع البحري للخلجان تسمح باستقبال 12 سفينة ضخمة تابعة للقوات البحرية الأمريكية في وقت واحد، باشتمال حاملات الطائرات، الطرادات الغواصات الذرية الحاملة للصواريخ.
تبنى ورشات تصليح وأحواض سفن تمكن عمليًا من القيام بأي نوع من الصيانة للسفن العسكرية دون الحاجة إلى إخراج هذه السفن من منطقة الحراسة في المحيط الهندي.
تتمتع جزيرة دياجو-جارسيا بسعة كافية لحفظ 320 ألف برميل من وقود الطيران و380 ألف برميل من محروقات السفن تكفي لتأمين عمليات التشكيل الجوي لمدة ثلاثين يومًا في المحيط الهندي، وفي الجزيرة ترابط أيضًا القاعدة العائمة "ديسكي" الخاصة بالإمداد المادي- التكنيكي للمدمرات والسفينة ذات التوظيف الخاص "سبيير" لتأمين عمليات الغواصات الذرية في المحيط الهندي.
وتجمعت هنا سفن النقل أو الشحن التي تحمل على متنها الدبابات، المصفحات، الذخائر، التجهيزات الكافية لتزويد فرقة عسكرية من المشاة البحرية تعدادها 12 ألف إنسان. إن هذه السفن- كما كتبت مجلة "التايم" الأمريكية- تعتبر قاعدة إمداد متحركة لتلك الحالة عندما يصدر الرئيس أمرًا بالنقل السريع لأية وحدة من وحدات قوات الانتشار السريع إلى هذه المنطقة.
أما محطة الاتصالات الموجودة على الجزيرة فقد أدخلت إلى النظام الملاحي الأمريكي الشامل "أوميجا" المخصصة لتوجيه الغواصات الذرية؛ بل تعداد القوات الأمريكية على جزيرة دياجو- جارسيا في عام 1985م 1.25 ألف إنسان، وحاولت الدعاية الأمريكية الإقلال من الأهمية العسكرية- الإستراتيجية للقاعدة الموجودة على جزيرة دياجو- جارسيا، معتبرةً إياها منشأة دعم خلفية لتأمين الاتصالات.
وفي الحقيقة فإن أي الاتصالات تشكل قلب نظام التمركز الأمريكي الأمامي في حوض المحيط الهندي وترتبط بصورة وثيقة بشبكة القواعد العسكرية الأمريكية ونقاط الاستناد في منطقة البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهادي، وقد انطلقت الأساطيل الأمريكية مرارًا من جزيرة دياجو- جارسيا إلى سواحل بلدان آسيا الجنوبية بقصد دعم باكستان في فترة الصدامات الهندية- الباكستانية، واستخدمت هذه القاعدة أيضًا أثناء تنفيذ عمليات الإنزال الأمريكية ضد إيران في إبريل عام 1980م.
إن نشر الأسلحة ذات الإبادة الشاملة في مركز المحيط الهندي أثار قلقًا عميقًا عند بلدان حوض المحيط الهندي النامية، كما استنكرت رئيسة وزراء الهند السابقة أ. غاندي والعديد من الشخصيات الحكومية المنتمية إلى هذا الإقليم بحزم الخطة العسكرية لإدارة الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد أشارت السيدة أنديرا غاندي قبل موتها التراجيدي بعدة أيام في المقابلة التي أجرتها معها الصحيفة المكسيكية "ناسيونال" في أكتوبر 1984م: "إنَّ القاعدة الأمريكية الموجودة على جزيرة دياجو- جارسيا تمثل خطرًا على كل بلدان هذه المنطقة، ووقفت الهند ضد القواعد النووية في كل مكان، لكن الشيء الذي لا يغتفر- خاصةً في هذه الحالة- هو أن القاعدة قد أنشئت في المنقطة التي لم يكن فيها سابقًا مثل هذا الخطر".
طالبت بلدان المنطقة بنشاط بإزالة القاعدة العسكرية الأمريكية عن جزيرة دياجو- جارسيا وعودة أرخبيل تشاجوس لصاحبه الشرعي- دولة موريكا، ففي دورات الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة طرحت دول عدم الانحياز كثيرًا مسألة شرعية استبداد وظلم المستعمرين تجاه موريكا وسلخ أرخبيل تشاجوس عنها.
انعكس هذا الموقف السوفييتي، خاصةً، في البيان المشترك للاتحاد السوفييتي والهند في 10/12/1980م، لكن أمريكا وبريطانيا أظهرت الاستخفاف الكامل بصوت الرأي العام العالمي وبنداءات هيئة الأمم المتحدة وبمطالب سكان الجزيرة الأصليين.
إن الولايات المتحدة تفعل كل ما هو ممكن لتحصن بشكل أقوى مخفرها العسكري الأمامي في المحيط الهندي وترفض البحث في مسألة قاعدة دياجو- جارسيا والبحث عمومًا في قضية إلغاء عسكرة المحيط الهندي وتحويله إلى منطقة سلام