تم تصغير هذه الصورة. إضغط هنا لرؤية الصورة كاملة. الحجم الأصلي للصورة هو 899 * 791. |
البرنامج النووي الباكستاني
تمثلت بدايات البرنامج النووي الباكستاني في إنشاء اللجنة الباكستانية للبحث الفضائي والجوي "سيوباركو" (SUPARCO). في العام 1961 والتي بدأت في العام 1962 في اختبار إطلاق صواريخ في المحيط الهندي. وفي عام 1962 وافقت الولايات المتحدة الأمريكية على تزويد باكستان بمفاعل أبحاث صغير من نوع الماء الخفيف قدرته 5 ميغاواط والذي بدأ تشغيله عام 1965 الذي شهد أيضاً الشروع في البحث النووي في مدينة راولبندي وفي العام 1968 رفضت باكستان التوقيع على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) وطوّرت سيوباركو في العام 1970 قدراتها من أجل إنشاء مركبات صاروخية.
وأعلن رئيس الوزراء الباكستاني ذو الفقار علي بوتو في العام 1974 عن عزم بلاده تطوير السلاح النووي بعد أول تفجير نووي هندي وعلى الرغم من البدايات المتقدمة للبرنامج النووي الباكستاني، وعلى الرغم من الخوف الباكستاني من طموحات الهند في هذا المجال الذي ترجمه تصريح الرئيس ذو الفقار علي بوتو عام 1965، والذي تولى دعم البرنامج النووي الباكستاني للحصول على القنبلة الذرية بقوله: "إذا بنت الهند القنبلة فإننا سنقتات الأعشاب والأوراق، بل حتى نعاني آلام الجوع، ولكننا سنحصل على قنبلة من صنع أيدينا، إنه ليس لدينا بديل" على الرغم من كل ذلك تُعتبر باكستان متأخرة بسنوات عن البرنامج النووي الهندي، حيث مثلت تجربة القنبلة النووية الهندية عام 1974 صدمة عنيفة للقادة الباكستانيين الذين فتحوا المجال للعلماء بسرعة التحرك لسد الثغرة التي أحدثتها التجربة الهندية. وقامت كندا في عام 1972 بتزويد باكستان بمفاعل من نوع الماء الثقيل مع منشأة لإنتاج الماء الثقيل، وقد قام العلماء الباكستانيون بعد ذلك بزيادة قدرة هذا المفاعل إلى 50 ميغاواط وحاولت باكستان الحصول على الأسلحة النووية عن طريقين، الأول: الحصول على البلوتونيوم من مفاعل الأبحاث بعد فصله، والثاني: إشباع اليورانيوم. والطريق الأول كان هو المرشح، حيث يتوفر لديهم المفاعل، وكان عليهم استخراج اليورانيوم وفصله بطريقة خاصة بمساعدة الفرنسيين الذين وقَّعوا اتفاقاً مع باكستان لإنشاء مصنع لتوضيب وقود البلوتونيوم عام 1974، إلا أن المشروع لم يسر بالطريقة المطلوبة وانسحب الفرنسيون بسبب الضغوط الأمريكية، وفي العام نفسه بدأ الحظر الغربي للتكنولوجيا النووية على باكستان وممارسة الضغوط من أجل إيقاف برنامجها النووي و في العام 1976 أُسند إلى العالم عبد القدير خان إنشاء هيئة الأبحاث النووية المعروفة باسم "معهد الأبحاث الهندسية" في كاهوتا في باكستان، وكان الهدف من إنشاء هذا المعهد هو تخصيب مادة اليورانيوم، وخلال مدة ست سنوات استطاع الوصول إلى أهدافه.
وفي عام 1979 قامت الولايات المتحدة الأمريكية بسلسلة من الإجراءات الاقتصادية ضد باكستان، وصدر تقرير بطرح خيار الهجوم على المنشآت النووية الباكستانية وتدميرها.
وفي العام 1982 أتم الباكستانيون بناء مصنع تجريبي لتوضيب وقود البلوتونيوم. كما وأُعْلِن في حزيران/ يونيو 1986 عبد القدير كرئيس للبرنامج النووي أن باكستان لديها القدرة الذاتية على بناء مفاعلات نووية متقدمة. ووقّعت باكستان في 15 أيلول/سبتمبر عام 1986 مع الصين اتفاقية تعاون للاستخدامات السلمية للطاقة النووية تتضمن تصميم وبناء وتشغيل المفاعلات النووية. وفي العام نفسه فجرت باكستان انفجاراً نووياً قوياً ما يعني ـ حسب ما فسرته بعض التقارير الغربية ـ أنه يعني امتلاك باكستان لليورانيوم المخصب بنسبة 93.5%. وقال الرئيس الباكستاني ـ آنذاك ـ ضياء الحق إن بمقدور باكستان امتلاك التكنولوجيا وعلى ذلك الأساس يمكن للعالم الإسلامي مشاركتها في ذلك وكشفت الأقمار التجسسية الأمريكية عن وجود مصنع ثان لإنتاج اليورانيوم المخصب بباكستان. وأكد د. عبد القدير خان ما ذكرته تقارير CIA عن إنتاج باكستان للقنبلة الذرية. وصودرت كميات من اليورانيوم المخصّب متجهة نحو باكستان في ألمانيا الغربية وفي سويسرا بينما وقّعت الصين وباكستان اتفاقية ستبيع بموجبها الصين لباكستان صواريخ من نوع M-11 وقاذفات للصواريخ. وصنعت باكستان صواريخ ذات دفع وقودي. وأكدت بعض التقارير في العام 1989حصول باكستان على غاز التريتيوم من ألمانيا الغربية منتصف هذه السنة، كما أكدت تقارير أخرى على مساعدة الصين لباكستان في مجال برنامجها النووي. وفي العام نفسه قامت باكستان ذاتياً ببناء مفاعل أبحاث صغير قدرته 27 كيلوواط وفي العام 1990 قامت باكستان برد فعل غير مباشر على مناورات القوات الهندية القريبة من حدودهما المشتركة بإنزال إحدى طائراتها العسكرية السبع من طراز C-130.
وبدأت المؤسسة النووية الوطنية الصينية في العام 1993 ببناء مفاعل لإنتاج الكهرباء من نوع الماء المضغوط قدرته 300 ميغاواط. وأعلن رئيس الوزراء الباكستاني في العام 1994 امتلاك بلاده القنبلة النووية. وتوقع في العام 1996 إكمال بناء مفاعل من نوع الماء الثقيل ذي قدرة تصل إلى 40 ميغاواط وتجدر الإشارة إلى أن الهند وباكستان تبادلتا في 1/1/1996 الخرائط التي تبين المواقع النووية لكلتا الدولتين من أجل عدم تعرضها لهجوم من الطرف الآخر كما أصبح المفاعل النووي الباكستاني جاهزاً لإنتاج أسلحة نووية من معدن البلوتونيوم وكانت جاهزيته متوقعة منذ عام 1990 وصرح رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف في العام 1997 بأن قدرة باكستان النووية أصبحت حقيقة لا غبار عليها وبعد التفجيرات الهندية في 14 أيار/مايو 1998 بدأ التحضير لإجراء التجارب النووية الباكستانية في مرتفعات جاكيا. وفي 28 أيار/مايو 1998 أجرت باكستان خمسة تفجيرات نووية، وأعلن رئيس الوزراء نواز شريف عن إمكانية حمل الصاروخ (جوهري) المتوسط المدى رؤوساً نووية. وفجّرت باكستان في 28 أيار/مايو1998 خمسة تفجيرات نووية وصرحت بأن قوتها بلغت خمس درجات على مقياس ريختر.
البنية النووية الباكستانية
هناك عدد كبير نسبياً من المنشئات النووية في باكستان ومن أهمها نذكر:
- مفاعل أبحاث أمريكي في إسلام أباد العاصمة يعمل منذ كانون الأول عام 1965 بقوة خمسة ميغاواط.
- مفاعل نووي قوي كندي يعمل في كراتشي منذ العام 1973 بقوة 125 ميغاواط ويبلغ إنتاجه السنوي من البلوتونيوم 30 كلغ.
- مفاعل تشازمـا الفرنسي في إسلام أباد وقد طلبته باكستان في العام 1975 انسحبت بعد ذلك من الصفقة في آب عام 1978، ولم يغادر بعض فنيِّيها باكستان إلا في صيف عام 1979. وقد حاولت باكستان ـ اعتماداً على إمكانياتها الذاتية ـ بناء الوحدة الأساسية الحارة بمعهد العلوم والتكنولوجيا.
د- محطة "إغناء" رئيسية ذات قدرة غير معروفة في منطقة "سهالا"، وهناك منشأة نووية كبيرة في "كاهوتا" فيها معمل لتخصيب اليورانيوم يعمل بنظرية الطرد المركزي قادر على إنتاج 45 كلغ من اليورانيوم 235 كل عام، أي ما يكفي لإنتاج قنبلة نووية عيار 20 كيلو طن. كما أكد الدكتور عبد القدير خان، كبير العلماء الباكستانيين، أنه هناك منشآت نووية متعددة ومدافع عنها جيداً ضد الطيران والأعمال البرية. وقد أكد العالم البلجيكي (برابرز) أنه يوجد معمل آخر في مطار إسلام أباد، وأن "كاهوتا" هي مدينـة علمية كبيرة تضم مجموعات كبيرة من العلماء والمهندسين والفنيين في مجالات المعادن والطبيعة والكيمياء والإلكترونيات، يبلغ عددهم حوالي ثلاثة آلاف شخص.
- محطة قوى نووية قامت إيطاليا ببنائها عام 1980 بقدرة 600 ميغاواط. وقد أفادت تقارير الاستخبارات الأمريكية والغربية بأن باكستان قد قامت بإجراء تفجيرات نووية في حزيران عام 1983 وتفجير آخر أُجري لحساب في الصين في شهر تموز عام 1985، وتفجير ثالث عام 1986. وتمكنت باكستان من الحصول على وقودها النووي من الوقود الخام من كل من الولايـات المتحدة وكندا وفرنسا والنيجر والصين، فضلاً عن جنوب إفريقيا، إضافة إلى ما تستخرجه من خام الفوسفات من اليورانيوم كما في الأسلوب الإسرائيلي، هذا فضلاً عن توافر اليورانيوم في منطقة "بلوشستان" الباكستانية. ولدى باكستان حوالي 250 طناً من الوقود المحترق، فضلاً عن إنتاجها حوالي 22 طناً سنوياً. وتفيد المصادر الغربية بأن لدى باكستان القدرة على إنتاج من 10-20 قنبلة نووية قدرة كل منها من 5-10 كيلواط، أو عشر قنابل عيار 20 كيلو طناً والجدير بالذكر أن باكستان تتبع الأسلوب الصيني في تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم 235، وليس فصل البلوتونيوم 239، ما يسهل تماماً عمليات التعاون النووي والعلمي والفني والهندسي والكيماوي والإلكتروني بينهما. وذكرت بعض التقارير أن الصين قد ساعدت باكستان فنياً في برنامجها النووي، ومن أمثلة ذلك إمدادها بـ5000 مغناطيساً حلقياً لتطوير وحدات الطرد المركزي الخاصة بإغناء اليورانيوم ومساعدتها في تشييد وحدة استخلاص البلوتونيوم في كاسما بالبنجاب. والجدير بالذكر أنه منذ الغزو السوفييتي لأفغانستان، استأنفت الولايات المتحدة مساعدتها لباكستان على الرغم من مخالفة ذلك للقوانين الأمريكية. وهكذا يكون البرنامج الباكستاني قد حظي بدعم دولتين نوويتين في أوقات مختلفة وفي مجال تصغير الكتلة الحرجة للقنبلة العيارية نجحت باكستان في امتلاك حواسيب إلكترونية فائقة القدرة تمكنها من تصغير الكتلة الحرجة حتى نصف كيلو طن، بما يسهِّل وضعها على الصواريخ أرض ـ أرض والمدافـع صغيرة العيار وهذه الحواسيب يمكنها توفير إجراء تجارب نووية لتقدير قوة الانفجار الصغيرة المطلوبة. ولعل عدد التجارب الميدانية التي تمت في الدول العظمـى والكبرى للوصول إلى الكتلة الحرجة، قد بلغ حوالي ألفين من التجارب في كل من الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين، إضافة لتجارب الهند وباكستان وإسرائيل ويمكن للطائرات المتعددة الجنسيات الموجودة لدى باكستان من إيصال القنابل النووية لأهدافها، مثل الطائرات الروسية من طراز "سوخوي" والطائرات الصينية من طراز "كيو-5" والفرنسية من طراز "ميراج" بأنواعها، وكذلك الأمريكية "أف-16" في حال حصولها عليها وفي ميدان الصواريخ، لدى باكستان الصاروخ "حتف" (HATF) بمدى 1000 كيلومتر متوسط المدى، والصاروخ بعيد المدى "غوري" بمدى حوالي 1500 كلم، فضلاً عن الصاروخ الصيني "أم-11"، والصاروخ "غوري" الخليط ما بين "أم-9" و"أم- 11" الصيني. وتطور باكستـان الآن صاروخ "غوري" ليصل إلى مدى الصاروخ الهندي "أجن" 2500 كلم ليستطيع ضرب معظم المدن الهندية الإستراتيجية.
ولدى باكستان شبكة ممتدة على طول الحدود مع الهند من الصواريخ الميدانية من طراز "حتف-1" (100 كلم)، و"حتف-2" (300 كلم). وكل من النوعين يحمل رأساً مدمرة حوالي 500 كلغ. وقد قامت باكستان بتطوير الصاروخ "حتف-3" ليصل إلى مدى 600 كلـم هذا فضلاً عن منظومات كاملة من الصواريخ "أم-11" الصينية الصنع والتي يبلغ مداها من 300 إلى 600 كلم وتحمل رأساً مدمراً بزنة 500 كلغ. وهذه الصواريـخ ميدانية ومنشورة على مسافات مختلفة من خط الجبهة تزيد وتقل طبقاً لمراميها ولتحقيق الأمن الكافي لها وأثمر التعاون الصيني الباكستاني عن حصول باكستان عام 1992 على 30 صاروخاً باليستياً من طراز M-11 الذي يحمل شحنة قدرها 800 كلغ، وفي عام 1997 أعلن عن تجربة الصاروخ حتف3 الذي يبلغ مداه 800 كيلومتر ولكن الإنجاز الأكبر كان في تجربة الصاروخ (جوهري) الذي يبلغ مداه 1500 كيلو متر ويستطيع حمل رأس نووي. وتم في العام 1999 إجراء أول تجربة للصاروخ حتف 4 المعروف باسم شاهين 1 وهو صاروخ باليستي متوسط المدى. وعرض في اليوم الوطني الباكستاني يوم 23 آذار/ مارس 2000 صاروخان من نوع حتف 6 ويسمى شاهين 2 أو غزنوي وطبقاً لتقرير المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن 2004-2005، تتكون القوات المسلحة الباكستانية من: -620 ألف مقاتل، أي ما يعادل نصف تعداد القوات المسلحة الهندية تقريباً وحوالي 2280 دبابة، منها: أم-48، وتي 54-55-59-69-80-85، والخالد. وحوالي 1000 ناقلة أفراد مدرعة أم-113 الأمريكية، وبي تي آر الروسية. و 1500 قطعه مدفعية مختلفة الأنواع. و10 غواصات. و8 قطع بحرية رئيسة. و68 حوامة، منها 48 مسلحة. و353 طائرة مقاتلة، أنواع: ميراج فرنسيه 3 و 5، وجي 6-7 الصينية، و أف 5، وأف -16 الأمريكية. وكلها ـ سواء الأسلحة الشرقية أو الغربية ـ لدى إسرائيل الخبرة في تطويرها وتحديثها بالأجهزة الالكترونية الحديثة في كل من الدول الثلاث (تركيا، والهند، والصين) ودول أخرى عديدة، خصوصاً التي كانت خاضعة للاتحاد السوفيتي السابق أو دول الكتلة الشرقية سابقاً، مثل: بولندا، ورومانيا، وتشيكيا، وسلوفاكيا وغيرها.عموماً، شجعت الحكومات الباكستانية المتعاقبة الفرق المتنافسة من علماء البلاد لتتنافس واحدة ضد الأخرى في تطوير الردع النووي. ولقد عملت إحدى الفرق على البلوتونيوم، وهو نوع القنبلة التي قامت الولايات المتحدة بإسقاطها على مدينة ناجازاكي اليابانية في عام 1945. وقد عمل فريق آخر على معدات اليورانيوم عالي التخصيب، على نحو مشابه مع كونها متفوقة في التصميم على القنبلة التي ألقيت على هيروشيما. لقد اختبر كلا الفريقين معداتهما في عام 1998.
في الوقت ذاته، فإن كلاً من الفرق الباكستانية قد انخرطت كذلك في سباق لإنتاج صاروخ ذي قوة نووية. لقد أنجز فريق البلوتونيوم صفقة مع الصين لامتلاك صاروخ 88 ـ 11 (المعروف في باكستان بالشاهين) وقام فريق تخصيب اليورانيوم مع كوريا الشمالية، فأحرزت مطورة صاروخ سكود، النودونغ (والذي يدعى الغوري في باكستان، وقد كان الغوري مقاتلاً مسلماً انتصر على منافسه الهندوسي بريثفي، وهو اسم صاروخ الهند المقابل) ويذكر أن السعودية وليبيا على أنهما كانتا الظهير المالي لجهود نشر السلاح النووي الباكستاني. ولذلك تأججت المخاوف الغربية من الصفقات المشتركة بين باكستان وتلك الدول في عام 2002، عندما حضر ممثلون سعوديون وليبيون تجربة إطلاق صارخ غاري وهناك سبب آخر للقلق هو تعاون باكستان غير المسموح به مع إيران، والتي اعترفت قيادتها لوكالة الطاقة الذرية الدولية، بأن تكنولوجيا الطرد المركزي الغربي قد أتت من باكستان. وفي كانون أول 2003، قامت السلطات الباكستانية بالتحقيق مع ثلاثة علماء كبار من مصنع تخصيب اليورانيوم، وكذلك مصنع الرئيس السابق للمشروع النووي الباكستاني، عبد القدير خان، والذين كانوا جميعاً مشتبهاً بهم بالقيام بنشر الأسرار النووية.
مبادئ السياسة النووية الباكستانية
ربطت باكستان دوماً سياستها النووية بالسياسة الهندية، وكان اتجاهها نحو تطوير قدراتهـا النووية مرتبطاً برغبتها في مجاراة الهند، وتحقيق التكافؤ الاستراتيجي معها في المجـال النووي. فقد بدأ البرنامج النووي الباكستاني منذ عام 1955 مع إنشاء وكالة الطاقة الذرية الباكستانية، بهدف تمكين باكستان من الاستفادة من الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية. وكان تطور البرنامج النووي الباكستاني مرتبطاً، إلى حد كبير، بتطور البرنـامج النووي الهندي، كما كانت معظم التطورات الجارية في المجال النووي لباكستان بمثابة رد فعل للتطورات الجارية في الجانب الهندي. وفي هذا الإطار، ربطت باكستان دائماً موقفها من الانضمام إلى معاهدة منع الانتشار النووي ومعاهدة حظر التجارب النووية، بالموقف الهندي وعلى الرغم من أن جهود التطوير النووي الباكستاني ارتبطت، في الأساس، بالأوضاع الإستراتيجية في جنوب آسيا وشبه القارة الهندية، فإن الساسة الباكستانيين حاولوا في العديد من الفترات إعطاء بُعد إسلامي لمحاولة إنتاج قنبلة نووية باكستانية.
وكان رئيس الوزراء الباكستاني الأسبق، ذو الفقار علي بوتو، قد استخدم مرات عديدة مصطلح "القنبلة الإسلامية". وهو ما فُسِّر في العديد من الحالات بأن باكستان يمكن أن تعطي خبرتها النووية أو أسلحتها النووية لدول عربية لاستخدامها في الصراع ضد إسرائيل. وفي هذا الإطار، اعتمدت السياسة النووية الباكستانية على الدعم المالي من دول عربية تمت الإشارة إليها، ودفعت التطورات التي أعقبت التجارب النووية الهندية والباكستانية المسؤولين الباكستانيين إلى التأكيد صراحة على أن هذه التجارب ارتبطت، في الأساس، بالظـروف الأمنية والسياسية والإستراتيجية في شبه القارة الهندية، وأن باكستان لن تزود أي دولة عربية أو إسلامية بالسلاح النووي.
استقرار باكستان وبرنامجها النووي
تقع المشاريع النووية في باكستان تحت إشراف الجيش، والذي كان مشرف رئيساً لأركانه عندما استولى على السلطة في عام 1999، وما يزال محتفظاً بهذا المركز. من جهة أخرى، فقد يكون زعيم سياسي مدني في باكستان جاهلاً بأسرار الدولة، فلم يسمح أبداً لبنظير بوتو وهي رئيسة وزراء انتخبت مرتين، بزيارة مصنع تخصيب اليورانيوم في كاهوتا على الرغم من قربه من العاصمة إسلام أباد. ويذكر سيمون هندرسون، زميل مشارك في معهد واشنطن، يتخذ من لندن مقراً له، تابع التطورات في باكستان من عقد السبعينات، عندما عمل في باكستان كمراسل أجنبي، وهو مؤلف بحث المعهد السياسي: (الدعامة الجديدة: دول الخليج العربية المحافظة وإستراتيجية الولايات المتحدة، 2003). يَذكر أن التحدي أمام واشنطن يكمن في ضمان احتفاظ مشرف ـ أو أي قائد ذي ولاء غربي ـ بالسلطة، بينما تستمر عملية تصيد ابن لادن وعناصر القاعدة المتبقين في حدود باكستان الجبلية مع أفغانستان. ويظهر أن مشرف نفسه يحتفظ بقبضة ضعيفة على السلطة، باعتبار أنه نجا من محاولتي اغتيال من قبل متطرفين إسلاميين إن قوات كهذه ستزيد من غضبها قمة الحوار مع الهند والإشارات إلى تسوية ممكنة في قضية كشمير المطولة، لكن كثيراً ما تبدو تكتيكات القائد الباكستاني مزعزعة، فقد كان قائداً للجيش عندما قامت الوحدات التي كانت تقاتل إلى جانب ميليشيات إسلامية مدربة، بشن هجوم مفاجئ إلا أنه كان عنيفاً في النهاية ضد مواقع الهند الجبلية في عام 1999. في تموز/يوليو 2001، اندفع إلى قمة مع نظيره الهندي والتي فشلت في تحقيق هدنة أو تسوية مشتركة.
في وقت لاحق من هذه السنة، وبعد وقت قصير من 11/9/2001 . فقد اعتقد أن للميليشيات الإسلامية صلات بالهجمات الانتحارية التي تشنها الاستخبارات الباكستانية في البرلمان الهندي في نيودلهي، ما أنشأ أزمة تسببت في الوصول بكلا الدولتين إلى شفير التبادل النووي ولدى باكستان سيناريوهان يشكلان لها كابوساً، إما المزيد من التخفيض في الموقف العسكري ـ البيروقراطي الموالي للغرب، أو استيلاء داعمي السياسيين والعسكريين الإسلاميين على السلطة (بما في ذلك السلاح النووي) ويبدو أن الأمر الذي كان ولا زال يخيف الهند هو موضوع الترسانة النووية والصواريخ في باكستان ولكن وعلى ما يبدو أصبحت تحت حماية ورعاية الولايات المتحدة وإسرائيل، ولهذا شاع الاطمئنان في الجانب الهندي، فلقد نشرت صحيفة ذي أوبزيرفر البريطانية وبتاريخ 30/12/2007 تأكيداً بأن البرنامج النووي قد تم تفكيكه حيث قالت "إن السلاح النووي الباكستاني جرى توزيعه في أنحاء الدولة بعد تفكيكه إلى أجزاء ويخضع لحراسة مشددة، ولقد بُدِّل نظام الشفرة الخاص به والذي يحول دون استخدامه حتى وأن كان جاهزاً للعمل "أي تحول إلى الخردة الغالية" وهذا يعني عيداً هندياً وعندما تكون الترسانة النووية الباكستانية بيد وبإشراف واشنطن فهذا يعني أنها سُلّمت إلى الولايات المتحدة وإسرائيل مثلما تم تسليم ما بحوزة ليبيا ولكن بطريقة أخرى، وبحجة الخوف من أن تقع بيد تنظيم القاعدة والخلايا الإرهابية الأخرى أو تقع بيد مجموعة انقلابية من الجيش وتدعمها الأحزاب والخلايا الإسلامية المتشددة.
ويبدو أن من عجّل بأن تكون هذه الترسانة بيد واشنطن هو تصريح رئيس هيئة الأركان المشتركة بباكستان الجنرال طارق ماجد بتاريخ 11/12/2007 والذي قال فيه وعلى شكل بيان "إن الاقتراحات التي أثيرت مؤخراً عن إمكانية مصادرة قدراتنا النووية أو نقلها إلى أماكن سرية أكثر أماناً للحيلولة دون سقوطها في أيدي جهات مشبوهة غير صادقة، هذه الاقتراحات مرفوضة شكلاً وموضوعاً"، وكان يرد بها على تقرير وخطة المؤرخ العسكري فريدريك كيجان الذي وضع خطة إستراتيجية بخصوص باكستان وأرسلها إلى الذي كتب إلى الرئيس الأمريكي جورج بوش والسيناريو المُستحدث في باكستان وبعد مقتل بوتو سيجعل حلف الناتو والدول الأوربية في حيرة حقيقية وهذا ما تريده واشنطن، فلم يبق أمامها طريق إلا المضي مع الولايات المتحدة والى آخر المطاف، وهو هدف إستراتيجي مهم بالنسبة للولايات المتحدة، أي نجاحها في إجبار حلف الناتو بأن يزيد من قواته في أفغانستان منعاً للانهيار هناك، ومساعدتها في باكستان.
ذو الفقار بوتو مع الرئيس الامريكي نيكسون
السيناريو الإسرائيلي
منذ العام 1972 تنظر إسرائيل دائماً إلى القدرة النووية الباكستانية كمصدر تهديد، عندما تحدّث ذو الفقار بوتو عما أسماه القنبلة الإسلامية. وقد أعلنت إسرائيل مراراً أنها لن تسمح لباكستان أو غيرها من الدول الإسلامية بامتلاك السلاح النووي، نظراً للخوف من نقل المعرفة والتكنولوجيا النووية إلى الدول العربية وقد ذكرت بعض وكالات الأنباء أن باكستان سبق أن حذّرت الولايات المتحدة من قيام إسرائيل بشن هجوم وشيك على منشآتها النووية، وأن مسؤولين باكستانيين أجروا اتصالات مع الإدارة الأمريكية والأمين العام للأمم المتحدة وأبلغوها أن طائرات إسرائيلية قد هبطت في الهند، لكن السفير الإسرائيلي في واشنطن طمأن بأن إسرائيل لن تشن هجوماً على المنشآت النووية الباكستانية بالمقابل، تتمثل الدوافع الباكستانية لنسج علاقة مع إسرائيل في محاولة إسلام آباد تحقيق الأهداف التالية:
- تجميل صورة باكستان لدى الغرب، عقب اتهامها بأنها مصدر الإرهاب وانتشار المدارس الإسلامية المتشددة في البلاد، والتي وصلت إلى 20 - 40 ألف مدرسة خلال التسعينيات، بعد أن كانت 900 مدرسة عام 1971، واتهام مشرف بأنه لا يقوم بما يلزم لتحجيم خطر التطرف والأصولية.
- انتقادات الغرب لباكستان عقب الكشف عن مسؤولية ثلاثة من الباكستانيين عن تفجيرات لندن ـ التي حدثت في 7-7-2005 ـ ممن تلقوا تعليماً في المدارس الإسلامية في باكستان.
- تجاوز الأزمة والتقارير الإعلامية التي تحدثت عن تصدير باكستان تكنولوجيا نوويه إلى إيران.
- تحييد تل أبيب عن الصراع الدائر بين إسلام أباد ونيودلهي حول كشمير، والسباق النووي والتسليحي بين البلدين.
تعزيز مكانة باكستان الإقليمية والدولية : القنبلة النووية
حين فجرت الهند القنبلة النووية عام 1974 كتب الدكتور عبد القدير خان رسالة إلى رئيس وزراء باكستان في حينها "ذو الفقار علي بوتو" قائلاً فيها: إنه حتى يتسنى لباكستان البقاء كدولة مستقلة فإن عليها إنشاء برنامج نوويّ". لم يستغرق الرد على هذه الرسالة سوى عشرة أيام، والذي تضمن دعوة للدكتور عبد القدير خان لزيارة رئيس وزراء باكستان، والتي تمت بالفعل في ديسمبر عام 1974. قام رئيس الوزراء بعدها بالتأكد من أوراق اعتماده عن طريق السفارة الباكستانية بهولندا، وفي لقائهما الثاني عام 1975 طلب منه رئيس الوزراء عدم الرجوع إلى هولندا ليرأس برنامج باكستان النووي.
توصل الدكتور عبد القدير خان بعد فترة قصيرة من رجوعه إلى باكستان إلى أنه لن يستطيع إنجاز شيء من خلال مفوضية الطاقة الذرية الباكستانية، والتي كانت مثقلة ببيروقراطية مملة، فطلب من بوتو إعطاءه حرية كاملة للتصرف من خلال هيئة مستقلة خاصة ببرنامجه النووي. وافق بوتو على طلبه في خلال يوم واحد وتم إنشاء المعامل الهندسية للبحوث في مدينة كاهوتا القريبة من مدينة روالبندي عام 1976 ليبدأ العمل في البرنامج. وفي عام 1981 وتقديراً لجهوده في مجال الأمن القومي الباكستاني غيّر الرئيس الأسبق ضياء الحق اسم المعامل إلى معامل الدكتور عبد القدير خان للبحوث.
بدأ خان بشراء كل ما يستطيع من إمكانات من الأسواق العالمية، وفي خلال ثلاث سنوات تمكن من بناء آلات النابذة وتشغيلها بفضل صِلاته بشركات الإنتاج الغربية المختلفة وسنوات خبرته الطويلة، ومن ثم تم رفع قضية ظالمة على الدكتور عبد القدير خان في هولندا تتهمه بسرقة وثائق نووية سرية، ولكن تم تقديم وثائق من قبل ستة أساتذة عالميين أثبتوا فيها أن المعلومات التي كانت مع الدكتور عبد القدير خان من النوع العادي، وأنها منشورة في المجلات العلمية منذ سنين، ليتم بعدها إسقاط التهمة من قبل محكمة أمستردام العليا.
يقول الدكتور عبد القدير خان: إنه حصل على تلك المعلومات بشكل عادي من أحد أصدقائه، إذ لم يكن لديهم بعد مكتبة علمية مناسبة أو المادة العلمية المطلوبة. يتلخص إنجاز الدكتور عبد القدير خان العظيم في تمكنه من إنشاء مفاعل كاهوتا (والذي يستغرق عادة عقدين من الزمان في أكثر دول العالم تقدماً) في ستة أعوام، وكان ذلك بعمل ثورة إدارية على الأسلوب المتبع عادة من فكرة ثم قرار ثم دراسة جدوى ثم بحوث أساسية ثم بحوث تطبيقية ثم عمل نموذج مصغر ثم إنشاء المفاعل الأولي، والذي يليه هندسة المفاعل الحقيقي، وبناؤه وافتتاحه. لقد قام فريق الدكتور خان بعمل كل هذه الخطوات دفعة واحدة كما استخدم فريق الدكتور خان تقنية تخصيب اليورانيوم لصناعة أسلحتهم النووية، وهناك نوعان من اليورانيوم يوليهما العالم الاهتمام: يورانيوم - 235 ويورانيوم - 238. ويعتبر اليورانيوم - 235 أهمهما، حيث هو القادر على الانشطار النووي وبالتالي إنشاء الطاقة.
نال الدكتور خان 13 ميدالية ذهبية من معاهد ومؤسسات قومية مختلفة ونشر حوالي 150 بحثاً علمياً في مجلات علمية عالمية. كما مُنح وسام هلال الامتياز عام 1989 وبعده في عام 1996 نال أعلى وسام مدني تمنحه دولة باكستان تقديراً لإسهاماته الهامة في العلوم والهندسة: نيشان الامتياز. كما ولعب الدكتور خان دوراًَ رئيسياً في تطوير قدرات باكستان النووية، والتي بلغت أوجها بإجراء باكستان لتجارب نووية ناجحة في أيار/مايو 1998وفي آذار- مارس 2001، تمت ترقيته إلى الدائرة الداخلية للقيادة العسكرية في باكستان، حيث شغل منصب المستشار العلمي والتكنولوجي للرئيس برويز مشرف