وكان ريجان ركز على ضرب أطراف موسكو وتقويضها بدلاً من مواجهتها وجهاً لوجه، وذلك من خلال دعم الحركات التي زعزعت استقرار القوة الروسية في أفغانستان ونيكاراجوا و أنجولا وأخيراً بولندا وأوروبا الشرقية.
كانت استراتيجية أمريكية ذكية آنذاك، حيث زادت من جراح الاتحاد السوفييتي واستغلت المشكلات المحلية حيثما أمكن. وهي طريقة ذكية تستخدمها روسيا بالمثل الآن، فتحصل على أقصى ربح بأقل تكلفة ممكنة.
وقال الكاتب: "لفت جون ماجواير انتباهي إلى هذه العلاقة المتوازية هذا الأسبوع. وهو ضابط عمليات سريّة شبه عسكرية سابق بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي أيه"، حيث خدم في برنامج الكونترا في نيكاراجوا، ولاحقاً في الشرق الأوسط".
يقول ماجواير: "إن بوتين ضابط عمليات محترف في نهاية المطاف. وقد شاهد ما فعلناه في أواخر الثمانينيات، وهو يواجهنا بالطريقة ذاتها الآن".
ولفت إجناشيوس إلى أن بوتين قاد حملته في شبه جزيرة القرم كعملية "سريّة" منذ البداية. لم تكن القوات الروسية ترتدي أي إشارات، للحفاظ على ورقة توت من الإنكار. وأصر المسؤولون الروس، بدءاً من بوتين إلى القيادات الأدنى، على عدم سيطرتهم على شبه جزيرة القرم بينما كانت قواتهم توطد مواقعها هناك. وتحكموا في مسارات تدفق المعلومات ونسّقوا عمليات تبادل الرسائل فيما بينهم.
زعزعة الاستقرار
واعتبر الكاتب حملة بوتين لزعزعة الاستقرار في شرق أوكرانيا أكثر خطورة مما كانت عليه عملية القرم، وذلك لأن الحكومة الأوكرانية كانت قد حذرت من أنها ستقاتل القوات الروسية في حالة إقدامها على الغزو. ولكن بينما كان العالم منصرفاً إلى المناورات التي يجريها 50 ألف جندي من القوات الروسية عبر الحدود، كان العمل الحقيقي هو زعزعة استقرار المدن الكبرى في شرق أوكرانيا تحت ستار من السريّة. ونظراً لأن أغلب سكان هذه المدن من الناطقين بالروسية، تمكن بوتين من الاعتماد على قاعدة من التأييد الشعبي المحلي.
استغلال ذكي
سيطر "متظاهرون" موالون لروسيا على المباني في دونيتسك وخاركيف ولوهانسك يوم الأحد. وقال بعض المتظاهرين إنهم يريدون إجراء استفتاء حول الانضمام لروسيا، مثلما فعلت القرم قبل انضمامها بالفعل. كان استغلال ذكي للتحيز الثقافي والديني المحلي، برأي الكاتب، وهي الخطوة التي تشبه قاعدة "فرق تسد" التي فضلتها وكالات الاستخبارات لعدة قرون.
حاول وزير الخارجية جون كيري لفت الانتباه إلى أفراد العمليات السريّة الروسية، وأخبر لجنة تابعة لمجلس الشيوخ أنه "من الواضح أن القوات الخاصة الروسية وعملائها هم من يقفون راء الفوضى في 24 ساعة الماضية". وأشار أن الروس قد يستخدمون الاضطرابات كذريعة للتدخل العسكري، لكن إجناشيوس يعتقد أنهم سيلتزمون بطرقهم السريّة الخاصة فهي أكثر أماناً، وتحقق لهم النتائج ذاتها التي يمكن أن تدعي موسكو شرعيتها.
الاستفادة من الانهيار
ورأى الكاتب أن بوتين استفاد شيئاً واحداً من رؤيته لانهيار الإمبراطورية السوفيتية، ألا وهو أن الأسلحة الأكثر فعالية هي تلك التي تفلت من الرادار وتعمل تحت ستار من السريّة، وهي أسلحة قانونية في البلدان التي تجري فيها العمليات. كانت القوة النووية للاتحاد السوفياتي عديمة الفائدة وهي تقف عاجزة أمام العمال المضربين في بولندا، أو عمليات الكر والفر التي نفذتها العصابات في نيكاراجوا، أو المقاتلين المجاهدين في أفغانستان. كان الاتحاد السوفياتي وحشاً عملاقاً اغتالته مئات الوخزات من رماح صغيرة